Canalblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Publicité
islamochretien
5 mai 2007

استمرارية الحضور المسيحي في القدس

استمرارية الحضور المسيحي في القدس

 

 يسعدني ان اتكلم عن استمرارية الحضور المسيحي في القدس ويشرفني ان اكون من اعضاء كنيسة القدس التي سأحاول واياكم ان استعرض مراحل تاريخها الطويل والملئ بمفاجأآت الروح الذي "يهب حيث يشاء" والذي لم يسمح ان يكون تاريخ كنيسة القدس اقل الما من تاريخ مؤسسها وفاديها.

 اود ان أُوضِح منذ البداية ان الكلام عن القدس مجازي يتناول الجزء بدل الكل، كمن يتكلم عن القلب ليصف الشخص بأكمله. لذا، عندما اقول القدس اعني عمليا الارض المقدسة.

 تقسيم الحديث بسيط جدا. الماضي والحاضر والمستقبل. سيأخذ الماضي نصيب الاسد لانه جوهر الموضوع الذي طلب مني أن اعالجه. ثم سأتناول - باقتضاب - الحاضر الذي بدأ يلوح في الافق. وسأختم بالمستقبل حيث سأتطرق بالخصوص الى ما يطرحُه غيُرنا من تساؤلات حول مستقبلنا.

 

- الماضي.

 تحمل شهادة ميلاد كنيسة الارض المقدسة المعلومات التالية:

- مكان الميلاد  القدس

- تاريخ الميلاد  العنصرة سنة 33

- عدد افراد الاسرة 3000 شخص.

 وعندما اضطُّهدت الكنيسة في القدس انتشرت في اليهودية والسامرة ثم تخطّت حدود فلسطين الجغرافية الى شرق الاردن وقبرص وانطاكية (اعمال 11، 19 -20). وهذه الكنيسة الاولى، وان أتت اساسا من المجتمع اليهودي الذي قَبِلَ المسيح، الا انها احتضنت غير اليهود (كورنيليوس مثلا) بحيث انه ابتداءً من القرن الثاني شهدت كنيسة القدس اعداداً لا بأس بها من الوثنيين الذين دخلوا الايمان، خصوصا بعد قرارات مجمع القدس. وعندما اخمد الرومان ثورة اليهودي بر كوكبا عام 135 حملت كنيسة القدس الاتية من الوثنيين الراية وكان مرقس اولَ اسقف على المدينة المقدسة من اصل وثني.

 ومع تنصر قسطنطين، ابتدأ العصر الذهبي لكنيسة القدس. بحيث اشيدت الكنائس فوق جميع الاماكن التي شهدت احداثا انجيلية. واصبح معظم سكان الارض المقدسة مسيحيين وحصل اسقف القدس على لقب بطريريك (451) وعمل معه 49 اسقفا منتشرين في اراضي البطريركية. دام عصر الكنيسة هذا الذهبي الذي دام حتى الفتح العربي للمدينة المقدسة عام 638 على يد عمر بن الخطاب.

 استمر الوجود المسيحي في القدس اثناء الحكم العربي وامتاز بدرجة عالية من الثقافة سنتطرق اليها في مكان آخر من حديثنا. تعربت الكنيسة في هذه الوقت وفقدت في نفس الوقت - وبشكل تدريجي - اعدادا من مؤمنيها لاسباب كثيرة منها الحروب ومنها الجزية ومنها الخوف ومنها صعوبات الحياة. وعندما احتل الصليبيون القدس وجدوا فيها كنيسة قائمة وسلطة كنسية ورهبانا وشعبا. بيد ان مسيحيي الارض المقدسة كانوا قد اصبحوا - مع الوقت - اقلية. حاول الصليبيون اعادة الاكثرية المسيحية الى البلاد فاستقدموا افرنجا للاقامة ودعوا مسيحيي البلاد المجاورة الى القدوم الى القدس والى ا الاستقرار فيها لكن المحاولة باءت بالفشل. وهكذا استطاعت كنيسة القدس ان تتابع مسيرتها الايمانية بقوتها الذاتية وبعناصرها المحلية.

 كان العصر المملوكي والعصر التركي الذي تلاه اكثر حقبات تاريخ القدس حرجا. فقد تدنى الوجود المسيحي عددا الى ادنى مستوى وعانى المسيحيون كثيرا من سوء المعاملة ومن الفقر المادي والمعنوي ومن مصادرة الاراضي والاملاك والحلال ارضاء لطمع الموظفين الاتراك.

 حدثت نهضة كنسيّة مفاجئة في القدس في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. فقد أُنشئت اسقفية انجليكانية في القدس (1843) واعيد تأسيس البطريركية اللاتينية (1847) وعاد بطريرك الروم ليقيم في القدس بعد ان كان ينتخب في القسطنطينية ويقيم فيها. عملت الكنائس الثلاثة في نفس الوقت وبنشاط متوازٍ وحسب العقلية السائدة آنذاك من منافسة واقتناص المؤمنين وتهافت على الاحصائيات وتغريب. وفي نفس الوقت ساهمت هذه الكنائس، من خلال كهنتها ومرسليها الاجانب، في حماية المسيحيين المحليين من جشع الاتراك وظلمهم وثبّتت وجودهم رسميا في الدولة (وهذا ما سنأتي ايضا على ذكره) وساهمت مساهمة فعالة في رفع مستواهم الثقافي والمادي وهيأتهم بشكل مرض للدخول في عالم القرن العشرين.

 ابتدأ القرن العشرون لكنيسة القدس باستمرار الوجود التركي الذي زال بعد الحرب العالمية الاولى وتبعة الانتداب البريطاني فالعهد الاردني فسلسلة الحروب العربية الاسرائيلية.

 هذا استعراض سر يع لاهم مراحل تاريخ كنيسة القدس، اردت من خلاله ان اقول ان الوجود المسيحي المحلي في القدس لم ينقطع يوما واحدا، حتى في أحلك الظروف.

 

- الوضع العددي والثقافي والعرقي والقانوني لهذه الوجود المسيحي المستمر.

 عدديا.

 عا شت كنيسة القدس 18 قرنا من 20 قليلة العدد. تمتعت بوضع الاغلبية كما اسلفنا من القرن الخامس الى السابع. ثم بدأ نجم الاغلبية يأفل. يقول بعض المؤرخين ان عدد المسيحيين في بداية العصر الصليبي كان يناهز 50% من عدد السكان. وفي بداية القرن العشرين كان 20 - 30 % من سكان فلسطين مسيحيين. تجمع الاحصائيات اليوم على نسبة 2.5 - 3 % فقط من مجموع السكان في فلسطين والاردن واسرائيل على السواء.

 

 ثقافيا.

 كان لمسيحيي القدس دور ثقافي اكبر بكثير من عددهم، مع استثناء العصر المملوكي والتركي (حتي منتصف القرن التاسع عشر) والذي تميز بانحطاط عام شمل العربي المسيحي والمسلم في البلاد المقدسة. فمن القرون الاولى برز اساقفة معلمون امثال كيرلس الاورشليمي ويوحنا خليفته وصفرونيوس. وفي بداية الفتح العربي شكل مسيحيوا القدس (مع مسيحي الشرق عامة) الطريق لوصول الفكر اليوناني والفلسفة اليونانية الى العرب من خلال الترجمات اولا ثم من خلال التأليف. ويجمع المؤرخون على ان الادب العربي المسيحي الذي تألق من القرن الثامن وحتى الحادي العاشر ابتدأ في صحراء فلسطين في دير مار سابا وخريطون. اما في نهاية القرن التاسع عشر، فقد ساهم مسيحيوا فلسطين في النهضة الفكرية العربية التي حمل رايتها مسيحيوا لبنان وسوريا وذلك من خلال المؤلفات والمجلات والجرائد التي انتشرت في البلاد المقدسة في نهاية القرن الماضي وبداية القرن الحالي.

 

 عرقيا.

  هذا فصل يصعب الخوض فيه لان الرؤية فيه غير واضحة ولا يمكن ان تكون واضحة. فلا أحد يستطيع ان يحدد من اين ينحدر مسيحيوا القدس اليوم. ذلك ان اكثر من شعب مرّ في المنطقة واحتلها واستقرّ وترك فيها بصماته العرقية. من اليهود المتنصرين الى القبائل العربية الصحراوية التي تنصرت ابتداء من القرن الثاني الى الروم البيزنطيين الى المد العربي في القرن السابع الى الصليبيين فالمماليك فالاتراك فالبريطانيين. امر واحد واضح. مهما كان الاصل العرقي البعيد لمسيحيي القدس، فانهم - ومنذ اكثر من الف سنة - يعتبرون انفسهم عرباً في لغتهم وتاريخهم وحضارتهم واسلوب معيشتهم وردود فعلهم وآمالهم وآلامهم.

 

 قانونيا.

 هنا ايضا عاشت كنيسة القدس اكثر من مد وجزر في تاريخها الطويل.

= فمنذ البداية اضطّهدها المجتمع اليهودي لانها خرجت عنه واضّطهدها الحكم الروماني في القرون الثلاثة الاولى، اسوة بباقي المسيحيين.

= في العصر الروماني تمتعت كنيسة القدس بحرية العبادة التي منحها مرسوم غاليريوس (311): " يجب الا تُمنع الحرية الدينية، بل ان يسمح لكل واحد الطاعة، في الشؤون الدينية، لما يمليه عليه ضميره". كان ذلك قبل مرسوم ميلانو الشهير عام 313.

= في العصر العربي الاسلامي منحت العهده العمرية عام 638 " امانا للمسيحيين ولانفسهم ولاموالهم ولكنائسهم وصلبانهم". ثم في عهد هارون الرشيد مُنِح المسيحيون حقوقا تتعلق بحماية اماكنهم المقدسة وبدعم مالي لصيانتها".

= كان عصر الفاطميين والمماليك وبداية العصر العثماني دون غطاء قانوني واضح. وظهر اول ميثاق عثماني يضمن الحريات الدينية للمواطنين غير المسلمين في " خطي شريف جلخانه" عام 1839 وفيه يقول السلطان انه " يعطي ضمانات تؤمِّن لرعايانا امانا كاملا لما يتعلق بالحياة والشرف والمال". واتي بعده "خطي همايون" عام 1856 الذي اكد انه " ستُتّخذ اجراءات فعالة كي يتحقق أثرُها كاملا". وكان قد ظهر قبل ذلك نظام "الامتيازات"Les capitulations)) لحماية المسيحيين الاجانب اولا ثم المسيحيين العرب، وذلك مع فرنسا (1535) وبريطانيا (1579) وروسيا (1718) و (1774). وفي عام 1852 صدر الستاتوكوو Statu Quo الذي وضع حدا للنزاعات القائمة بين الطوائف المسيحية على ملكية الاماكن المقدسة.

= في عهد الانتداب البريطاني، حددت المادة 13 من الانتداب دور بريطانيا بتأمين " حماية الحقوق المدنية والدينية لجميع سكان فلسطين، الى أي جنس او ديانة انتموا".

= في العهد الاردني احتل المسيحيون المكان الذي حدده لهم الدستور اردني. فهم " مواطنون يتمتعون بنفس حقوق وواجبات باقي المواطنين".

 وباختصار، فان الوضع القانوني الذي عاشه مسيحيوا القدس مرّ من وضع الاضطهاد في العصر الروماني الى وضع الذمة تحت عهد الاسلام الى وضع الملة في العهد التركي ووضع الاحتلال منذ عام 1967.

 

- الحاضر.

 من يدخل القدس اليوم يرى وجودا مسيحيا اكيدا ومتميزا. وما يقال عن القدس يقال عن فلسطين ككل. استمرار الوجود العددي متواضع. وهنا لا اريد ولا استطيع أن اعطي احصائيات دقيقة عن عدد المسيحيين في الاراضي المقدسة. اكثر الارقام تصديقا هي التي تقول بوجود بين 250 الى 300 الف مسيحي عربي في الاردن وفلسطين واسرائيل. أي ما يساوى 2.5 الى 3% من عدد السكان. بيد ان زَخَم الوجود المسيحي اليوم في القدس لا يأتي من العدد القليل او الكثير (في القدس كمدينة بين 10 الى 12 الف مسيحي فقط)، بقدر ما يأتي من وجود الكنائس المسيحية الحية والعاملة في اكثر من مجال في حياة المدينة والوطن. فالوجود المسيحي مستمر ومتميّز في المدارس والكليات والمعاهد والجامعات والمراكز والعمل الروحي والمسكوني والاجتماعي والتنموي والمدني و السياسي.

 وان كان هناك مجال برز فيه الوجود المسيحي اليوم بوضوح - من القمة الى القاعدة - فهو مسيرة الشعب الفلسطيني في السنوات الاخيرة. فقد عاشت كنيسة القدس معاناة الشعب وواكبت نضاله في سبيل الحرية وتميزت بمواقف شجاعة وقيادية على الساحة الوطنية والدولية. فان كنا نشهد اليوم ولادة شعب جديد فأننا نشهد ايضا ولادة كنيسة جديدة تستلهم الماضي وتتمتع بالحاضر وتصبو الى المستقبل.

 

- المستقبل

 وبالنظرة الى المستقبل اريد ان انهي كلامي. وقبل ان اقول كيف ارى مستقبل الوجود المسيحي في القدس، كابن لهذه الكنيسة،اود ان اتطرق الى اسئلة تقليدية نسمعها تنم عن صدقٍ اكيد في النوايا وان كان ممزوجاً ببساطة في التفكير احيانا. من هذه الاسئلة:

- هل سيستمر الوجود المسيحي في القدس وفي الارض المقدسة؟

- هل ستتحول المسيحية في القدس يوما ما الى متحف من جراء هجرة المسيحيين المستمرة؟

- هل سيعيش المسيحي الفلسطيني تحت حكم عربي ذات اغلبية مسلمة؟

- هل سيتعايش المسيحي الفلسطيني مع المد الاسلامي الذي نراه يزحف من الجزائر والسودان وايران؟

 

 جوابا على ذلك نقول:

- الوجود المسيحي المحلي في فلسطين مستمر منذ الفي سنه وسيستمر. ونرتكز في ذلك على الايمان بمشيئة الله علينا وعلى العبر المستوحاة من التاريخ وعلى ارادة شعب واع لما يقول ولما يعمل.

- مرّ الوجود المسيحي في فلسطين بفترات اصعب من الفترة الحالية من حيث العدد واحترام الحقوق والفقر المادي والفكري والروحي وصمد.

- يستمد الحضور المسيحي في المجتمع الفلسطيني اليوم قوته وتأثيره من وحدة الكلمة والموقف بين مختلف الكنائس ومن الانفتاح على الآخر ومن الحوار الصريح والصادق والحر مع كافة المؤمنين ومع كل انسان مستقيم.

 وان سألنا اخواننا المسحيون في الغرب - ويسألون - ما المطلوب منهم تجاهنا، نقول:

- الصلاة من اجل كنيسة القدس

- اعتبار انفسهم ابناءً روحيين حقيقيين لهذه الكنيسة الام.

- اعتبار ان الانسان المسيحي في هذه البلاد هو حجر الزاوية. وفي هذا المجال اسمحوا لي أن استشهد بالمبدأ الذي وضعه البطريرك صبّاح للخدمة الراعوية عندما توجه - حال تعيينه - في حديثه الى الرهبان والراهبات العاملين في الابرشية : " ان بهاء الارض المقدسة بسرّ الله فيها، وبالانسان الذي يعيشه فيها." ويضيف :"وفي خدمتنا للارض المقدسة لا بد من ان نحافظ على الواقعية والموضوعية لنر المؤمن في واقعه كما هو.... حتى لا يُسحق ولا يشوّه بضغط الرغبة العامة لجميع مؤمني العالم"... "نعم ان للارض المقدسة طابعَ الشمولية بحكم رسالة الايمان المنطلقة منها الى العالم كله. الا ان هذه الطابع الشمولي لا يجوز ان يقضي على الانسان الذي ظل امينا لهذه الارض وللسيد المسيح" (في بهاء السلام، عام 1988، رقم 52 - 53).

عمليا يعني ذلك التعرف على لغة انسان هذه الارض وعقليته وعاداته، والعيش والعمل بمقتضاها، والدعم الروحي والمعنوي (الزيارات، الحج، الصلاة مع الجماعات المسيحية المحلية)، والدعم المادي للمؤسسات التعليمية والاجتماعية التي تشهد للوجود المسيحي ولشمولية رسالته.

 ولا شك ان مؤتمر اليوم يسير في هذا الخط. فهو شهادة على الاهتمام الصادق بانسان هذه الارض المقدسة. حضوركم بيننا برهان على انكم اخترتم الطريق الصحيح للتعرف على المؤمن الفلسطيني عن قرب. وهذه امر يكفي بحد ذاته ليزيل الحواجز وليفتح المجال لتعاون صادق وعميق بحثا عن ارادة الله علينا جميعا الآن وهنا.

 

10/1/1996

الاب مارون اللحام.

 

http://www.oasiscenter.eu/index.php?page=46&lang=fr&table=contributi&news=166&group=contributi&subgroup=doc_2007

 

Publicité
Publicité
Commentaires
islamochretien
Publicité
Publicité